يزعم قادة الاحتلال الصهيوني في فلسطين أنّهم تمكنوا في الأشهر القليلة الماضية من تغيير وجه الشرق الأوسط، ويتزامن هذا الزعم مع توعدهم هم وحلفاؤهم الأميركان بإعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط ليصب في النهاية في خدمة المصالح الصهيونية وتحقيق المطامع التوسعية الصهيونية، ويطلق الصهاينة هذه المزاعم والتصريحات بكل ثقة وكأنهم يملأون أيديهم من نجاح خططهم ومشاريعهم وكأن أحداً في الشرق الأوسط كله لا يملك أن يعارضهم أو يخالف ما يعلنون عنه.
أما مصطلح الشرق الأوسط فهو مصطلح يشير إلى بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية والأناضول ومصر وإيران والعراق، وقد يشمل دولاً أخرى تصل إلى الجزائر غرباً وأفغانستان وباكستان وبلاد القوقاز شرقاً، ويضمّ ما يزيد على تسع عشرة دولة، وهي دول يتحدث عنها نتنياهو بكلّ تبجّج وكأنّها لا تساوي شيئاً ولا تملك إرادة ولا تستطيع فعل شيء أمام مطامعه العدوانية، ويلاحظ أن هذه الدول أكثرها عربية وإسلامية.
ومصطلح الشرق الأوسط مصطلح أوروبي له دلالات سياسية واستخدمته وزارة الخارجية البريطانية في نهاية القرن التاسع عشر، ثم استخدمه أحد ضباط البحرية الأميركية (الفرد ثاير ماهان) في مقال له نشر سنة 1902، وخلال الحرب العالمية الثانية أطلق هذا المصطلح على القيادة البريطانية في مصر، ومنذ إنشاء دولة الاحتلال الصهيوني في فلسطين صدرت دعوات كثيرة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا بتشكيل شرق أوسط جديد، ومن أهم من أطلقوا هذه الدعوة المؤرخ اليهودي البريطاني الذي حصل على الجنسية الأميركية برنارد لويس أطلقها في الخمسينيات من القرن الماضي وتبنت الإدارات الأميركية المُتعاقبة هذا المشروع ولا سيما بعد أحداث (11) سبتمبر/ 2001)، وكانت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس من أكثر المُتحمسين لها سنة 2006 إبّان الحرب الإسرائيلية على لبنان، وبعد عملية طوفان الأقصى في السابع من شهر تشرين الأول 2023 تجدّدت الدعوة في أميركا وفي الكيان الصهيوني إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط أو تغيير وجهه، وأصبحت المُجاهرة بالتوسع الصهيوني في دول عربية وإسلامية تعلو بصوت واضح على ألسنة الزعماء اليمينيين في الكيان المحتل. وتقف من ورائهم إدارات أميركية صهيونية تمدّهم بالمال والسلاح والدعم السياسي والدبلوماسي.
وقد ردّد نتنياهو في خطاباته وتصريحاته ومقابلاته الأخيرة التي نشرها بعد إبرام صفقة تبادل الأسرى مع المقاومة في غزّة وإبرام اتفاق هدنة مع المقاومة اللبنانية أنه استطاع أن يغير وجه الشرق الأوسط وأنه سوف يواصل إحداث هذا التغيير بالقوة العسكرية، وحتى يقنع الناس بصحة كلامه نجد جيشه يواصل القيام باعتداءات داخل رفح وغزة وداخل القرى اللبنانية وعلى الحدود السورية اللبنانية تحت ذرائع مختلفة، وإلى جانب ذلك يُطلق يومياً تقريباً تهديدات ضدّ إيران ويقسم بشرفه أنه لن يسمح لها بامتلاك سلاح نووي، ويحاول التدخل في الشأن السوري ويحتل أراضي سورية ويحذّر من اقتراب الجيش السوري الجديد من جنوب دمشق ومن درعا.
ومنذ تغيير نظام الحُكم في سوريا والإسرائيليون يحاولون الإيحاء لنا بأن ذلك تم بتخطيط إسرائيلي وضمن مشروعهم لتغيير وجه الشرق الأوسط.
إن الذي يتابع سيرة الاحتلال الصهيوني في فلسطين يعرف أن الصهاينة لا يملون من الكذب والافتراء، وأنّ أكثر أكاذيبهم وإعلامهم موجّه للجمهور الإسرائيلي المُهيأ سلفاً لتصديق كل الأكاذيب، وكذلك للجمهور الغربي في أميركا وأوروبا، وهو جمهور سطحي الثقافة ومهيّأ لتصديق كلّ أكذوبة صهيونية بسبب الدور الخطير الذي تمارسه وسائل الإعلام الغربيّة التي يملكها الصهاينة وداعموهم في الغرب. ويجيد الصهاينة استغلال الفرص والظروف والأحداث وتوجيهها لخدمة أكاذيبهم؛ فالهدنة في غزة هي مما اضطرت إليه دولة الكيان وكذلك الهدنة في لبنان، وما جرى في سوريا من تغير نظام الحُكم هو استحقاق تاريخي قديم، وتوقف إطلاق الصواريخ من اليمن وغيرها هو نتيجة طبيعية للهدنة في غزة، وعليه فإنّ مزاعم هذا الكيان الكاذب بأنه غير وجه الشرق الأوسط ما هي إلا أكاذيب تأتي في سياق خداع الجمهور الصهيوني وفي سياق الحرب الإعلامية والنفسية على المقاومة الفلسطينية والشعوب العربية.
ويبقى السؤال المُوجه للدول العربية والإسلامية التي تقع ضمن خارطة ما يُعرف بالشرق الأوسط: ما هو ردكم أو استعداداتكم لمواجهة التهديدات الإسرائيلية المُتواصلة بالاستمرار في تغيير وجه الشرق الأوسط وخارطته بالقوة؟